مقابلة صحفية مع بروفيسور غروفر فر Grover Furr مؤلف كتاب خسة معاداة ستالين ?Anti-Stalinist Villainy?
احد الكتب الجديدة غير القصصية الشديدة الغرابة التي ظهرت حديثا هو الترجمة الروسية لكتاب المؤرخ غروفر فر الاستاذ في جامعة ولاية مونتكلير الذي عنوانه "خسة معاداة ستالين" في موسكو: عن دار نشر ألغوريتم سنة ???? ، الذي أجرى فيه تشريحا لتقرير نيكيتا خروشوف الشهير الى المؤتمر الحزبي العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي تشريحا مفصلا. لقد تعرف الاف القراء على الكتاب في الفترة القصيرة منذ نشره . وقد استقبل باللعنات والمديح في الوقت ذاته من رد فعل اوائل قرائه وناقديه، وقد نجح في ان يصبح وثيقة ببليوغرافية نادرة حتى في عصر اسواقنا الموجهة لهذا اعتقدنا ان من المفيد ان نرجع الى البروفيسور فر نفسه لكي نحسن التعرف على المؤلف ذاته ونسأله عن ارائه مباشرة من فمه كما يقال. س: استاذ اخبرنا رجاء كيف ولماذا اصبحت انت الحاصل على الدكتوراه من جامعة برينستن وكانت رسالته للدكتوراه مكرسة لعصور فرنسا الوسطى مهتما بالتاريخ السوفييتي لعهد ستالين؟ ج: ان ميدان اختصاصي الاول هو دراسات الشرق الاوسط. وليست لي اية شهادة رسمية "تؤهلني" لاجراء البحوث عن تاريخ الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين. ولكني بصفتي اختصاصي في الشرق الاوسط تدربت على ان اجري بحوثا تاريخية معمقة . فعلى سبيل المثال ، استخدام المصادر الاولية بلغات غير الانجليزية. عدم الاعتماد بتاتا على "المعرفة المستلمة" او "الاراء المستلمة". عدم الثقة باراء "المرجعيات المعترف بها". ان ادقق كل شيء بنفسي. حين كنت تلميذا جامعيا من ???? حتى ???? عارضت حرب الولايات المتحدة على فييتنام. مرة اخبرني شخص بان الشيوعيين الفيتناميين لا يمكن ان يكونوا " الناس الطيبين"، لانهم كانوا جميعا "ستالينيين"، "وان ستالين كان قد قتل ملايين الناس الابرياء". تذكرت هذه الملاحظة. وربما كانت السبب الذي دفعني في السبعينات الى قراءة الطبعة الاولى من كتاب روبرت كونكويست الارهاب الفظيع عند نشره. لقد هزني ما قرأت! علي ان اضيف انني كنت اجيد قراءة اللغة الروسية نظرا الى اني كنت ادرس الادب الروسي منذ الدراسة الثانوية. لذا درست كتاب كونكويست بامعان شديد. لم يقم على ما يبدو شخص اخر ابدا بعمل كهذاّ. اكتشفت ان كونكويست كان غير امين في استخدام مصادره. اذ ان ملاحظاته الهامشية لم تسند استنتاجاته المعادية لستالين! اساسا هو استخدم كل مصدر معاد لستالين ، بصرف النظر عما اذا كان موثوقا ام لا. اخيرا قررت ان اكتب شيئا عما يسمى "الارهاب". استغرق ذلك وقتا طويلا، الا انه في ???? نشرت في النهاية "ضوء جديد على قصص قديمة عن المارشال توكا?يفسكي: اعادة النظر ببعض الوثائق" ... خلال تلك الفترة درست البحوث التي كانت تجريها مدرسة المؤرخين الجديدة عن تاريخ الاتحاد السوفييتي تضمنت ار? غيتي, روبرت ثرستون، روبيرتا مانينغ، شيلا فيتزباتريك، جيري هاو،لويس سيغلباوم، ليني فيولا وغيرهم. س. يبدو لي ان هذه الاسماء لا تعني شيئا بالنسبة للقارئ الروسي. من الصعب ان نتصور انه بعد كونكويست يستطيع اي ممثل لاية "مدرسة" غربية جديدة ان يساهم باية فكرة مخالفة حول تاريخ الاتحاد السوفييتي... ج ? الواقع هو عكس ذلك تماما. المدرسة التي اتحدث عنها نشأت كنقيض لكونكويست وللفكرة التوتاليتارية للعلوم السوفييتية لفترة الحرب الباردة. عن طريق دراسة الشواهد المتوفرة في حينه بعناية ? واهم شيء ? بمحاولة جاهدة لكي يكونوا موضوعيين ? كان باحثو هذه المدرسة الجديدة يظهرون فعلا ان جميع "تاريخ" الحرب الباردة والتروتسكيين والخروشوفيين وبعد ذلك الغورباشوفيين ?اليلتسنيين كان متساوما كليا بالتحيز السياسي. فقد كان هؤلاء قد نجحوا في مساومة اعمالهم بتحيزهم السياسي بحيث ان كتبهم يجب ان لا ينظراليها كتاريخ بل كمثال للدعاية. في عالم التاريخ العلمي اصبح كتاب "اصول التطهيرات الكبرى" بقلم ج. أر? غيتي، احد مؤسسي المدرسة الحديثة، احساسا اصيلا حقا. ففيه فند غيتي بنجاح عددا كبيرا من التزييفات التي كانت مقبولة كحقائق. وتضمنت، ضمن اشياء اخرى، فكرة ان قمع الثلاثينات كان عمليات خططها ستالين سلفا. كان من سوء حظ هذا العالم ان هذا المؤلف نشر في الولايات المتحدة خلال سنوات "البيريسترويكا". ففي هذه الفترة، تحت غطاء "غلاسنوست" او "الانفتاح" الزائف، لم تنشر سوى اعمال المناوئين لغيتي، انصار الحرب الباردة، وباعداد وطبعات غزيرة. فكيف كان بمستطاع القراء الروس ان يكتشفوا اعمال غيتي الرائدة اذا لم ينشر حتى كتاب واحد من مؤلفاته حول التاريخ الروسي في روسيا ذاتها؟ نفس الوضع يصح في حالة معظم المؤرخين الذين ذكرت اسماءهم اعلاه. ولحسن الحظ يوجد ايضا امثلة افضل تشجيعا. قبل بضعة اشهر نشرت مجلة انترنت اوكرانية واحدا من المع مؤلفات بروفيسور مارك توغر من جامعة ويست فرجينيا. ان كتاب توغر يفند تفنيدا قاطعا الاسطورة الموحاة من قبل النازيين بان المجاعة في ?-???? كانت ?Holodomor? اي "مجاعة من صنع الانسان" نفذها القادة السوفييت. س: كيف ولماذا اصبحت مهتما بتقرير خروشوف في المؤتمر العشرين للحزب؟ ج: ان تقرير خروشوف "المغلق" او "السري" كما يسمونه في الغرب هو بدون اية مبالغة احد اهم الخطابات المؤثرة في القرن العشرين. فبصرف النظر عن كيف او من الشخص الذي يجري تقييم التقرير بعلامة "ايجاب" او "سلب" فان الخطاب غيّر من الاساس طريق التاريخ السوفييتي والروسي. من المهم ان هذا الخطاب بالذات اصبح احد اعمدة فكرة "معاداة ستالين" السياسية، المصدر الاساسي لما يمكن ان يسمى "درة المؤتمر العشرين". باختصار لا يستطيع اي انسان مهتم بتاريخ الاتحاد السوفييتي ان يتجاهل وثيقة بهذه الاهمية س: ولكن هذا هو السبب الذي جعل هذا الموضوع كثير التطرق نوعما. كيف تفسر كل الاهتمام بكتابك "خسة معاداة ستالين"؟ . ج: يصعب هلي نفسير ذلك؟ لعل القراء يحكمون على ذلك بانفسهم ... استطيع فقط ان اتحدث عما صعقني كباحث. حين كنت اضع فكرة حول هذا المؤلف كان هدفي متواضعا. كنت اريد ان اضع "الكشوفات" القائمة في التقرير الى جانب المصادر التاريخية التي نشرت للعلن بفضل اعادة تصنيف بعض الوثائق من الارشيف االسوفييتي السابق. كان يمكن اجراء هذا البحث من قبل مؤرخ روسي او ، الاحرى، مؤرخ صيني اذ خلال السنوات العشر او الخمس عشرة الماضية تم توفير عدد كبير من المصادر للبحاثة مما يجعل بالامكان اجراء تقييم موضوعي لبعض البيانات في خطاب خروشوف. وعند هذه النقطة بدأت تظهر لي صورة شيقة. اذ تبين ان من جميع "الكشوفات" المؤكدة في التقرير التي استطعت ان احقق فيها، لم تظهر اية واحدة منها بانها صحيحة. ولا واحدة منها اطلاقا! عدد قليل من تزييفات خروشوف كانت معروفة سابقا طبعا. فعلى سبيل المثال، خلال الجلسة السرية ذاتها ابدى عدد من والوفود الى المؤتمر ملاحظاتهم حول بعض "كشوفات" خروشوف، مثل تصريحه السخيف بان ستالين وضع خطط العمليات العسكرية على "كرة جغرافية" وهو ما يمكن القول بانه اقل تصريحاته بعدا عن الحقيقة. اما كون الخطاب بكامله كان معدا من مثل هذه "الكشوفات" ، فقد كان امرا مدهشا. س: الست مبالغا؟ من الصعب جدا الاعتقاد بان الخطاب لا يتضمن اي شيء سوى التزييفات. لابد انك بكل بساطة تدافع عن ستالين، وهكذا حين يكون هذا الهدف راسخا في ذهنك تشوه سمعة خروشوف وتقريره الرائع تاريخيا. ج: يؤسفني ان اخيب ظنك، ولكني "لست مدافعا" عن ستالين او عن اي شخص اخر. بصفتي باحث ورجل علم اعالج الحقائق والشواهد فقط. لو كان هدف بحثي خطابا لخروشوف حول الفضاء الخارجي او الذرة او برنامج الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي مثلا كان علي ان ادرس المصادر المتعلقة بهذه الاهتمامات. الا ان الواقع هو ان موضوع بحثي اصبح موضوع التقرير الذي من المفروض انه "كشف" عن جرائم ستالين وبيريا. لقد افردت احدى وستين "مكشوفة" او تأكيدة اتهامية . واجريت البحث حول كل منها على ضوء المصادر التاريخية. وكانت النتيجة النهائية لبحثي ان في "خطاب خروشوف السري" لم تكن حتى "مكشوفة" واحدة صحيحة. ليست المسألة هنا مسألة "دفاع عن ستالين". ان مهمة الاثبات تقع دائما على عاتق الجانب المتهٍِم (بكسر الهاء) ? اي خروشوف في هذه الحالة. وليست حتى واحدة من "كشوفات" وتأكيدات "الخطاب السري" قادرة على ان تصمد في المجابهة امام الشواهد. كلمة حول مسألة "الاعتقاد". ليس لاي باحث جدي حق قبول او رفض اي تصريح باعتباره صحيحا استنادا الى قناعاته او ارائه المسبقة الشخصية. من وجهة نظر الشواهد التاريخية المبينة في " خسة معاداة ستالين" لم يعد بالامكان بعد الان، شئنا ام ابينا، رؤية تاريخ الاتحاد السوفييتي من مرآة التسلية "للخطاب السري" . س: على فكرة، ان "خسة معاداة ستالين" ليس عنوانا مناسبا جدا لكتاب بحث علمي، اليس كذلك؟ ج: الكتاب نشر مع فهرست مراجع وفهرست اسماء وملاحظات هامشية وملحقات وثائقية ? وباختصار، بانسجام تام مع كافة متطلبات اي منشور اكاديمي رصين. وفي الواقع كان قد نشر بطبعة اوسع. هل يمكن لاي مؤلف ان يتوقع اكثر من ذلك؟ حين كنت اعمل على كتابة المسودة طبعا كان لي عنوان عمل مختلف. كذلك كان لدي فصل اصلي نظمت فيه العمل باسلوب حواري من اجل ابراز النقاط الجوهرية للعمل الذي انجزته. ولكن ربما بسبب طول الكتاب او لاي سبب اخر لم يدرج هذا الفصل في الكتاب النهائي المنشور. اقترح الناشر عنوانا اخر ايضا، وهذا ما يحدث احيانا كثيرة. والحقيقة هي ان من حق الناشر في النهاية ان ينظم العناصر النشرية والفنية وغيرها لكي يقدم عملا يكون ناجحا في الاسواق. س- مازال هناك امر لا ينسجم هنا. فمن ناحية ، كما كتبت، كان خطاب خروشوف نسيجا من الاكاذيب، بينما من الناحية الثانية، لم يشر اي شخص من شخصيات القيادة في الاتحاد السوفييتي ابدا الى زيف اي من هذه الكشوفات. ج: انا اذهب حتى ابعد من ذلك واقول انهم بسكوتهم اظهر كل واحد منهم تضامنا تاما مع خرةشوف. وهنا نجابه احدى اشد القضايا الخادعة. على الرغم من الانطباع الواسع الانتشار الذي يشير الى عكس هذا، لم يكن ستالين نفسه الهدف الرئيسي من "الخطاب السري" بل المسار التاريخي، في اتجاه معين من التطور كان مرتبطا باسمه. فقد صرح المؤرخ الروسي يوري جوكوف بجلاء بان هدف خروشوف كان انهاء الاصلاحات الديمقراطية التي بدئ بها ولم تكتمل خلال حياة ستالين. ويجب ان يقال اليوم، بانه تحت تأثير خطاب خروشوف ? اصبح "ستالين" و "الديمقراطية" مفهومين شديدي التناقض في افكار اغلب الناس، فكرتين تشيران الى تطرفين لا ينسجمان، ظاهرتين تشكلان قطبين متعاكسين. ولكن هذه النظرة خاطئة. ان ستالين اتفق مع اراء لينين عن الديمقراطية التمثيلية وحاول ترسيخ مبادئها في بناء الدولة السوفييتية. كان ستالين نفسه على رأس النضال من اجل دمقرطة المجتمع السوفييتي، وهو نضال كان في مركز العمليات السياسية التي جرت في الاتحاد السوفييتي خلال فترة الثلاثينات الى الخمسينات. كان جوهر هذا البرنامج كما يلي: ان دور الحزب الشيوعي في حكم الدولة يختزل الى حدود اعتيادية، كما هو الامر في اقطار اخرى، ان القيادة السياسية للدولة يجري اختبارها ليس وفقا للقوائم الحزبية بل على اساس الاجراءات الديمقراطية. ليس خروشوف وحده انما من الواضح ان قادة سوفييت اخرين ايضا لم يتفقوا مع مجرى هذه الاصلاحات. على كل حال فان مالينكوف ومولوتوف وكاغانوفي?، الشخصيات السياسية الرئيسية المرتبطة بستالين، وافقوا، ولو كرها، على الموضوع السري "للخطاب السري" وصادقوا عليه. لقد استطاع خروشوف ان يتسلم السلطة وان يلقي خطابا سريا مفجرا وان يثبت اراءه الخاصة فقط لانه استطاع ان يكسب نخبة الحزب الشيوعي الى جانبه. دعني انتهز هذه الفرصة للتعبير عن امتناني ليوري جوكوف (روسيا) وجون غيتي (الولايات المتحدة)، بصفتهما مؤرخين لان مؤلفاتهما الهمتني في عملي الخاص على "الخطاب السري"، مؤلفان كشفا الواقع الخفي جدا منذ عصر خروشوف، واقع تكريس ستالين نفسه للمبادئ الديمقر اطية. اجريت المقابلة من قبل س. خارتسيزوف